Minggu, 24 Agustus 2014

الإسلام دين الفطرة

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة
لفضيلة الشيخ : صالح بن حميد
بتاريخ : 8- 2-1426هـ
وهي بعنوان : الإسلام دين الفطرة

الحمد لله، الحمد لله المتعالي في مجده، اللطيف بعقده، يشتد الخوف عند وعيده، ويعظم الرجاء بوعده، أحمده سبحانه وأشكره، الفضل العظيم والخير العميم كله من عنده، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره ولا رب سواه،  وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44]، وأشهد أنّ سيدنا ونبيّنا محمدًا عبد الله ورسوله، النبي الأمي، القدوة في حزمة وعزمه، وعلمه وقصده، وورعه وزهده، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين من بعده، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما اتصل غيث ببرقه ورعده، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد:
فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فاتّقوا الله رحمكم الله. عَجبًا لمن عرَف الدّنيا وتقلُّباتها ثمّ اغترّ، أفلا يميِّز بين الخير والشرّ والنّفع والضر؟! هلاَّ أقبلَتِ القلوب على مقلّبِها، واغتنمت بالصالحاتِ زمنَها، وبادَرَت بالصحّة سقمَها، وحفظتِ الأمانة لمن أمِنها؟! حرِّكوا الهِمَم إلى الخير، وحثُّوا العزائمَ إلى الجدّ، وآثروا الفقراءَ والمحتاجين بما تؤثِرون،  لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]،  وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].
أيّها المسلمون، الإسلام دين الفطرة، يصلُح به كلّ زمان، ويَعمُرُ به كلُّ مكان، فهو دين عقيدةٍ وشريعة وتهذيبٍ وسُلوك وحقٍّ وجمال وتراثٍ ومُعاصرة، يعالج شؤونَ الحياة كلَّها في سلفيّةٍ لا تتوقَّف عند عصرٍ، بل تتجدّد لتعالجَ أوضاعَ كلِّ عصر وتُفتيَ في كلِّ شأن، ومن أجلِ هذا فلم يكن الإسلام ليتغاضَى عن نوازعِ النّفس البشريّة وما جُبِلت عليه من الإقبالِ والإدبار والجِدِّ والنّصَب والنشاطِ والسآمة والانشراح والكآبة. خلَق الله الناسَ ووضَع فيهم ما وضَع مِنَ الخصائص والطبائع، وبثَّ في الحياة والكونِ ما بثَّ، وسخَّر ذلك كلَّه للبشر، وقد علِمَ سبحانه أنهم بشَرٌ، لهم أشواقُهم القلبيّة وحظوظُهم النفسيّة وطبائعهم الإنسانيّة، فلم تأتِ التكاليفُ والتّشريعات لتجعَلَ كلَّ كلامِهم ذكرًا وكلَّ صمتِهم فِكرًا وكلَّ تأمُّلاتِهم عِبَرًا وكلَّ فَراغهم عبادة، لكنّه مكَّنَهم ليجعَلوا بنيَّةِ القربى وصحيحِ العمل كلَّ أعمالهم ذِكرًا وفِكرًا وعبادة وعِبرًا.
لقد أقرَّ دينُ الإسلام ما تتطلَّبُه الفطرةُ البشريّة من سرورٍ وفرَح ولعبٍ ومرَح ومزاح ومداعَبَة وأشواقٍ وجمال، محاطٌ ذلك بسياجٍ من أدَب الإسلام رفيع يبلُغ بالمتعةِ كمالَها وبالمرَحِ غايتَه، بَعيدًا عن الخَنا والحرام والظّلمِ والعدوانِ والغِلِّ وإيغار الصّدور وهدم المبادئ والأخلاق.
لقد خلَق لنا ربُّنا ما خلَق، ووهَب لنا ما وهب، وسخَّر لنا ما سخَّر، وشرَع لنا ما شرَع في أنفسِنا وفي أرضِنا وفي سمائنا وفي كلِّ ما حولنا، وأذِن لنا في الجمع بين الانتِفاع والاستِمتاع بالمنافِع والمناظر، اقرَؤوا إن شِئتم:  وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ   وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ   وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ   وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:5-8]، واقرؤوا قولَه سبحانه:  أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ [النمل:60]، واقرؤا قولَه سبحانَه:  وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ [الحجر:16]. بل لقد جاء التكليفُ بأن ننظر ونتأمَّل في مناظر الجمال ويانِعِ الثِّمار:  أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [ق:6]، وقوله سبحانه:  انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ [الأنعام:99]،  وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق:10]،  أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ   وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ   وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ   وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20]. إنه نظرٌ وتفكّر، يجمع بين الإيمان والفائدَةِ والجَمال والابتِهاج، بل لقد أمِرَ بنو آدَم باتِّخاذ زينَتِهم أمرًا مباشرًا، ولا سيّما في مواطن العبادة:  يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31].
ولمزيدٍ منَ التأمُّل والتفصيل في هذا الباب ـ يا عباد الله ـ فإنَّ في ابنِ آدم عورَتَين، وكِلتاهما تحتاج إلى سَتر، بل إنّ في سَترهما الجمالَ غايةَ الجمال:
أمّا العورةُ الأولى فعورةُ الجسم، وسَترها يكون بلبَاسَين: لباسِ السّتر ولِباس الزينة، وقد بيَّنهما ربُّنا عز وجل في قوله:  يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا [الأعراف:26]، فالأوَّل يواري السّوأةَ ويخفيها ويستُرها، أمّا الثاني فهو الرِّيش يجمِّلها ويزيِّنها، قال أهل العِلم: واختار التعبيرَ بالريش لأنَّ أجملَ ما كُسِيت به المخلوقات ريشُ الطير بألوانه الزاهيَة ورِقّته ونعومَتِه وجاذبيّتِه، قالوا: فهو أجمَل وأرقّ مِن الشعر والصّوف والوَبر، وإن كان في كلِّ هذه من الجمالِ ما لا يخفى.
أمّا العورة الثانية فعورةُ النفس، وسترها بالخُلُق الجميل وحُسن العبادة والطاعة لربِّ العالمين، وهو ما ذكَره عزّ شأنه في قوله:  وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]. والجمال لا توصَف به الأشياء المادّيّات والأجسادُ فحسب، بل توصَف به الأخلاق والمعاني من الصبرِ الجميل والصّفح الجميل والهجرِ الجميل.
معاشِرَ الإخوةِ والأحبّة، وإذا كان الفنُّ في المرادِ المعاصر هو تذوُّق الجمال وصناعته فإنّه في دينِ الإسلامِ وحضارتِه ليس لمجرَّد التذوُّق بل لمقاصدَ كبرى. وجمالُ التعبير هو أوسَع أنواعِ الفنون وأكثرُها أثرًا في حياةِ الناس وتعامُلاتهم خطابًا وأسلوبًا وأمرًا ونهيًا ودَعوة وتوجيهًا وتعليمًا وتربيةً، ونحن أمّةٌ كتابها الهادِي هو مثَلُها الأعلى في جمالِ التعبير، ونبيُّها محمّد   هو الذي أوتِيَ جوامعَ الكلم، فالقولُ الحسن والوَعظ الحسَن والجِدال بالتي هي أحسَن وأحسَن القصص كلُّ ذلك تنبيهٌ وتوجيه لأهل العِلمِ والدّعوة والتربيةِ والتثقيف أن يقصِدوا إلى الجاذبيّة في الأسلوب والجمالِ في التعبير، كيف وهم يقرؤونَ التوجيهَ الربانيّ للرحمة المهداة محمّد  :  فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]. الله أكبر، سبحانَ الله عباد الله، ما أوضحَ هذا وما أجملَه، لو كان محمّد   فظًّا غليظَ القلبِ ـ وحاشاه عليه السلام ـ لو كان كذلك لما قبِل قولَه أحد ولنَفَر الناسُ من حولِه وانفضّوا، لماذا؟ لأنَّ الناسَ فطِرَت على حبِّ الرِّفق وطلاقةِ الوجه وبشاشةِ الاستقبال والخُلُق العالي وجمالِ اللفظ والاستماع إليه والانجذاب إليه وقَبوله وحبِّه واحترامه.
إنَّ المعلِّمَ والموجِّه والمرشِدَ والناصحَ والمحتسِب والداعيةَ والكاتبَ والمثقّف كلُّ أولئك هم أهلُ القولِ الجميل والصبرِ الجميل والصّفح الجميل والهجرِ الجميل.
أيّها المسلِمون، وهذا الجمالُ الجميل والفنّ البهيج لا يمكِن أن يكونَ فَوقَ الحقّ، فلا يكون الجمالُ في الكذِب، ولا الفَنّ في الفسوق، بل لا يمكن ولا يجوز أن يُستَر الكُفر والفسوق والظلمُ باسمِ الفنّ والعمل الفنّيّ، بل لقد وصل التطرّف ببعضِهم ليقولَ: "إنَّ الفنّان لا يحاكَمُ بالمعاييرِ التي يُحاكَم بها غيرُه"، ولا يجوز أن يُتَّخَذ جمال الفنونِ مسَوِّغًا لقول الزور وهَدم الفضيلةِ وسوءِ الأخلاق، لا يجوز أن يستسَاغ في جمالِ التعبير اختِلاق الأباطيل والمجاهرةُ بالسوءِ مِنَ القول والتّزوير. إنَّ الجمالَ والزّينة حين يكونان مظِنّةً لأن تتَّخَذ وسيلةً لهدمِ الحقّ وإهدارِ القِيَم والاستطالةِ على الأخلاق يجِب إيقافُها ومَنعها، فالذّريعة إلى الممنوع ممنوعَة، ولقد أمِرَ المؤمنون والمؤمِنات بغَضِّ أبصارِهم، ونُهِيَت النساء أن تضرِب بأرجلِهنّ ليُعلَم ما يخفينَ من زينتهنّ، ونهِيَت نساء النبيّ   وهنّ أكرَم نساءٍ وأشرفهنّ وأعفُّهنّ وأطهرنّ نُهِين أن يخضعنَ بالقول ممّا يثير مرضَى القلوب ويجرّ إلى الممنوع:  فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا [الأحزاب:32].
وإنَّ من لطيف التأمُّلات ـ يا عبادَ الله ـ ما نبَّه إليه القرآن العظيم من علاقةٍ بين كشف السّوأةِ وبين الشيطانِ وأوليائه، اقرَؤوا قولَه عزّ وجلّ:  يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]. إنّ الشّياطينَ وأولياءَه وأتباعَه السالكين مسالكَه يأمرون بالوقوعِ في رذيلةِ كَشف العورَتَين: عورةِ الجسدِ بالتّعرِّي والتفسّخ والتهتُّك في الأبدان، وعَورَة النفس في ارتكابِ مَسَاوئ الأخلاق والأعمال.
أيّها المسلمون، ذلكم هو الجمالُ وتِلكم هي الزينة، وذَلكم هو الفنُّ والإبداع في ظاهرِه وباطنه وحَسَنِه ومذمومِه، فاختَر لنفسك ـ أيّها المتبصِّر ـ أجملَ الجمالين وأحسَنَ الصّورتَين، ولا يستهوِيَنَّك الشيطانُ وأولياؤه، فحُسن الوجهِ لا ينفَع الفتيانَ إذا كانت الأخلاقُ غيرَ حِسان، وشَرَفُ الإنسان في تربِيَتِه لا في تُربتِه، وإذا تزيَّنتَ بثِيابِك وتجمَّلت بِلباسِك ـ وهذا حقٌّ لكَ مشروع ـ فلا تفرِّط في التزيُّن في أفعالِك والتجمُّل في أخلاقك، فمِنَ الحماقةِ أن ترَى بعضَ الناس حسَنَ الهِندامِ حَريصًا على جمالِ الصّورة، بينهما هو في لفظِه وحديثِه وسلوكِه قبيحُ العبارةِ دَميم الذَّوق سليطُ اللِّسان غليظ التّعامل.
أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم،  قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ   قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:32، 33].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ويهدي محمد  ، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد للهِ تفرَّد بالعزّةِ والاقتدارِ، ودانت له الخلائِق بالعبوديّة والافتِقار، أحمده سبحانَه وأشكرُه على فَيضِه المِدرار، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له الواحِد القهّار، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله المصطفى المختار، صلّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، والتابعين ومَن تبعهم بإحسانٍ ما تعاقب الليل والنهار، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فاستمِع ـ وفَّقك الله ـ إلى هذِه المقارنةِ يعقِدها الإمام أبو محمّد بن حَزم رحمه الله، جديرةٌ بالتّفكير والنّظر.
يقولُ رحمه الله: "طالِبُ الخَير والآخرة متشبِّهٌ بالملائكة، وطالب الشرّ متشبِّه بالشياطين، وطالِب الصّيتِ والغَلَبة متشبِّه بالسِّباع، وطالِب اللّذّات متشبّه بالبهائِم، وطالِب المال لغير مصلحةٍ ومنفعَة أقلُّ مِن أن يكونَ له في شيءٍ من الحيوانِ شبَه، بل يشبِه الماءَ الذي في الكهوف الوعِرَة لا ينتفِعُ به شيءٌ من الحيوان. ـ قال: ـ فالعاقلُ مَن لا يغتَبِط بصفةٍ يفوقه فيها سبُع أو بهيمةٌ أو جماد، فمن سُرَّ في شَجاعَتِه فليعلَم أنَّ الذئبَ والنمر أجرَأ منه، ومن سُرّ بقوّةِ جِسمه فليعلم أن الجملَ أقوى منه، ومن سُرّ بحَمل الأثقال فليعلَم أنّ الفيلَ أحمل منه، ومَن سُرَّ بسرعَة عَدوِه فليعلم أنّ الخيلَ أسرع منه، ومن سرّ بحُسن صوتِه فليعلَم أنّ كثيرًا من الطيور وأصوات أخشابِ المزاميرِ ألذُّ وأطرَب منه، فأيُّ فخرٍ وأيّ سرورٍ فيما تَكون فيه هذه البهائمُ والجمادات متقدِّمةً عليه، أمّا من قوِيَ تمييزُه واتَّسع عِلمه وحسُن عملُه فليغتَبِط بذلك؛ فإنّه لا تقدَّمه في ذلك إلاّ من كان أعلى همّةً وأكثر عملاً من خِيار النّاس".
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، فربُّكم خلقكم، وجعَل ما على الأرض زينةً لها ليبلوَكم أيكم أحسن عملاً.
ثمّ صلّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة والنعمةِ المسداة نبيِّكم محمّد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربّكم جلّ وعلا فقال عزّ قائلاً عليمًا:  إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللّهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد النّبيّ الأمّيّ وآله الطّيّبين الطّاهرين وأزواجه أمّهات المؤمنين، وارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الرّاشدين...



Tidak ada komentar: