Minggu, 24 Agustus 2014

أسباب حسن الخاتمة وسوئها

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة في المسجد النبوي بالمدينة النبوية
لفضيلة الشيخ : علي الحذيفي
بتاريخ : 5- 4-1426هـ
وهي بعنوان : أسباب حسن الخاتمة وسوئها

الحمد لله، الحمد لله العلي الخبير، السميع البصير، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، لا إله إلا هو إليه المصير، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العلي الكبير، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ذوي الفضل الكبير.
أمّا بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ ـ عبادَ الله ـ حقَّ تقواه، وسَارِعوا دائمًا إلى مَغفرتِه ورِضاه، فقد فَاز وسَعدَ من أقبل على مولاَه، وخابَ وخسِر مَن اتَّبع هَواه وأعرَض عن أُخراه.
عبادَ الله، إنَّ ربَّكم غَنيٌّ عَنكم، لا تضرّه مَعصيةُ من عَصاه، ولا تَنفعُه طاعةُ من أطاعَه، كما قال الله تعالى في الحديثِ القدسيّ: ((يا عِبادِي، إنّكم لن تبلغوا ضرِّي فتضرُّوني، ولن تبلغُوا نفعِي فتنفَعوني)) رواه مسلم من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه، وكما قالَ الله تعالى:  وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:176].
فالأعمالُ الصّالحاتُ سبَبُ كلِّ خيرٍ في الدّنيا والآخِرة، وأعظَمُ الأعمال وأفضلُها أعمالُ القلوب كالإيمانِ والتوكُّل والخوفِ والرَّجاء والرَّغبة والرَّهبةِ وحبِّ ما يحبُّ الله وبُغضِ ما يبغض الله وتَعلُّق القلبِ بالله وحدَه في جلبِ كلِّ نفع ودفع كلِّ ضرّ كما قال تعالى:  وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107].
وأعمالُ الجوارِحِ الصّالحة تابعةٌ لأعمالِ القلوب، كما قال الرّسول  : ((إنما الأعمَالُ بالنّياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى)) رواه البخاريّ ومسلم من حديث عمر رضي الله عنه.
والأعمالُ السيِّئة الشرِّيرَة سببٌ لكلِّ شرّ في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:  وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]، وقال تعالى:  ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
والعبدُ مأمورٌ بالطّاعات ومنهِيّ عن المحرَّمات في جميعِ الأوقات، ولكنّه يتأكَّد الأمرُ بالعمَلِ الصالح في آخِرِ العُمر وفي آخرِ ساعةٍ من الأجل، ويتأكَّد النهيُ عن الذنوب في آخرِ العمر وفي آخر ساعةٍ من الأجَل؛ لقول النبيِّ  : ((إنما الأعمال بالخواتيمِ)) رواه البخاريّ من حديث سهل بن سعدٍ رضي الله عنه.
فمن وفَّقه الله تعالى للعمل الصالحِ في آخر عمره وفي آخرِ ساعةٍ من الأجَل فقد كتب الله له حسنَ الخاتمة، ومن خذَله الله فختَم ساعةَ أجلِه بعمل شرّ وذنبٍ يغضِب الربَّ فقد ختِمَ له بخاتمةِ سوءٍ والعياذ بالله.
وقد حثَّنا الله تبارك وتعالى وأمَرنا بالحِرص على نيلِ الخاتمة الحسَنة، فقال تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
والسّعيُ لحُسنِ الخاتمة غايةُ الصّالحين وهِمّة العِباد المتَّقين ورَجاء الأبرار الخائفين، قال الله تعالى:  وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة:132]، وقال تعالى في وصفِ أُولي الألباب:  رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:193]، وقال تعالى عن التائبين:  رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين [الأعراف:126]، وعن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله   يقول: ((إنّ قلوبَ بني آدم كلَّها بين أصبعين من أصابعِ الرحمن كقَلبٍ واحد يصرِّفُه حيثُ يشاء))، ثم قال رسول الله  : ((اللّهمّ مصرِّفَ القلوب، صرّف قلوبَنا على طاعتك)) رواه مسلم.
فمن وفَّقه الله لحسنِ الخاتمة فقد سعِد سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا، ولا كربَ عليه بعد ذلك التوفيقِ، ومن خُتِم له بسوء خاتمةٍ فقد خسِر في دنياه وأخراه.
والصّالحون تعظُم عنايَتهم بالأعمالِ الصالحة السّوابِق للخاتمة، كما أنهم يجتهِدون في طلب التوفيقِ للخاتمة الحسنَةِ، فيحسنون الأعمالَ، ويحسنون الرجاءَ والظنَّ بالله تعالى، ويسيئون الظنَّ بأنفسهم، كما قال الله تعالى:  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة:218].
ومَن صدَق اللهَ في نيّته وعمل بسنّةِ رسول الله   واتَّبع هديَ أصحابه البررةِ فقد جَرَت سنّةُ الله تعالى أن يختِم له بخيرٍ، وأن يجعل عواقبَ أموره إلى خير، قال تعالى:  إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30]، وقال تعالى:  وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا [طه:112]، وقال تعالى:  وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143].
وأسبابُ التوفيق إلى حسنِ الخاتمةِ النيةُ الصالحة والإخلاصُ لله؛ لأنَّ النيةَ والإخلاص شرطان للأعمالِ المقبولة.
ومِن أسباب الخاتمة الحسنةِ المحافظةُ على الصلواتِ جماعةً، ففي الحديث: ((من صلّى البردَين دخل الجنة)) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه. والبردان هما الفجر والعصر، ومن داوم عليهما وصلاَّهما فهو بالقِيامِ بِغيرهما من الصّلوات أولى.
ومن أسباب التوفيقِ لحسنِ الخاتمة الإيمان والإصلاح، الإصلاح للنفس، والإصلاح للغير، كما قال تعالى:  فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون [الأنعام:48].
ومِن أسباب توفيق الله لحسن الخاتمة تقوَى الله في السرِّ والعلن بامتثالِ أمرِه واجتنابِ نهيِه والدوامِ على ذلك، كما قال تعالى:  تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83]، وقال تعالى:  وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
ومِن أسبابِ التّوفيقِ لحُسنِ الخاتمة اجتنابُ الكبائر وعظائمِ الذّنوب، قال الله تبترك وتعالى:  إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا [النساء:31].
ومن أسبابِ التّوفيق لحسنِ الخاتمة لزومُ هديِ النبيِّ   واتباعُ طريقِ المهاجرين والأنصار والتابعينَ لهم رضي الله تعالى عنهم، قال الله تعالى:  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]، وقال تعالى:  وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100].
ومِن أسباب التوفيقِ لحسن الخاتمة البعدُ عن ظلم الناسِ وعدَمُ البغي والعدوان عليهم في نفسٍ أو مال أو عِرض، قال  : ((المسلِمُ من سلِم المسلمون من لسانِه ويده، والمهاجِر من هجَر ما حرَّم الله))، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  : ((واتَّق دعوةَ المظلوم؛ فإنّه ليس بينها وبين الله حِجاب)) رواه البخاري وغيره، وفي الحديثِ: ((ما من ذَنبٍ أسرَع من أن يعجّل الله عقوبتَه من البغي وقطيعة الرحم)).
ومِن أسباب التوفيق لحسن الخاتمةِ الإحسانُ إلى الخلقِ وكفّ الشرّ عنهم، قال الله تعالى:  الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ سِرًا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274].
وصِفةُ السّخاء وسماحةُ النفس مع الإسلامِ سَببٌ للتوفيق لحسنِ الخاتمة، قال  : ((صنائِعُ المعروف تقِي مصارعَ السوء)).
ومِن أسبابِ حُسن الخاتمة العافيةُ مِنَ البدع، فإنَّ ضررَها كبير وفسادَها خطير، والبِدعُ هي التي تفسِدُ القلوبَ وتهدِم الدّين وتنقُضُ الإسلام عُروةً عروةً، قال تعالى:  وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، وهؤلاء المنعَمُ عليهم مبرَّؤونَ من البدَع كلِّها.
ومن أسباب حسنِ الخاتمة الدعاءُ بذلك للنفسِ، قال تعالى:  وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، وفي الحديثِ: ((لا ينجي حذَرٌ مِن قدَر، والدّعاء ينفع مما نزَلَ ومما لم ينزِل)). ودُعاء المسلم لأخيه المسلِم بحسنِ الخاتمة مستجابٌ بظهر الغيب، وفي الحديث: ((ما مِن مسلمٍ يدعو لأخيه بالغيب إلاَّ قال الملك: آمين، ولك بمثله)).
فاسعَوا ـ رحمكم الله ـ إلى تحصيل أسبابِ حسنِ الخاتمة ليوفِّقَكم الله إلى ذلك، واحذَروا أسبابَ سوءِ الخاتمة فإنَّ الخاتمة السيِّئة هي المصيبةُ العظمى والداهيَة الكبرى والكَسر الذي لا ينجَبِر والخسران المبين، والعياذ بالله من ذلك.
فقد كان السَّلف الصالح رضي الله عنهم يخافون مِن سوءِ الخاتمة أشدَّ الخوف، قال البخاري في صحيحه: "قال ابن أبي ملَيكة: أدركتُ ثلاثين من الصّحابة كلُّهم يخاف النّفاقَ على نفسه"، وقال ابن رجب: "وكان سفيان الثوريّ يشتدّ قلقُه وخوفُه منَ السّوابِقِ والخواتم، فكان يبكي ويقولُ: أخاف أن أكونَ في أمِّ الكتاب شقيًّا، ويبكي ويقول: أخاف أن أُسلَبَ الإيمانَ عند الموت"، وقال بعضُ السلَف: "ما أبكى العيونَ ما أبكاها الكتابُ السابق"، وقد قيل: "إنَّ قلوبَ الأبرار معلّقَةٌ بالخواتيم يقولون: بماذا يختَم لنا؟ وقلوبُ المقرَّبين معلّقةٌ بالسوابق يقولون: ماذا سبَق لنا؟"، وكان مالك بن دينار رحمه الله يقوم ليلَه ويقول: "يا ربِّ، قد علمتَ ساكنَ الجنة والنار، ففي أيِّ منزلٍ مالك؟". وكلام السّلَف في الخوف من سوءِ الخاتمة كثير.
ومَن وقَف على أخبارِ المحتَضَرين عندَ الموتِ وشاهدَ بَعضًا منهم اشتدَّت رغبةُ المسلم في تحصيلِ أسبابِ حُسن الخاتمة؛ ليكونَ مع هؤلاء الموفَّقين لحسنِ الخاتمة، فقد شوهِدَ بعضُهم وهو يقول مرحَبًا بهذه الوجوهِ التي ليست بوجوهِ إنسٍ ولا جانّ، وشوهِد من المحتضَرينَ من يلهج بذكر الله وبـ"لا إله إلا الله"، ومَن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخلَ الجنة، وشوهِد بعضهم يتلو القرآنَ، وشوهد بعضُ المحتضَرين يقسِّم مسائلَ الفرائض ويتكلَّم في مسائل العلم، وقال بعضهم: لا تخافوا عليَّ فقد بشِّرتُ بالجنّة الساعةَ، قال بعضُ أهل العلم: "الخواتيمُ ميراثُ السّوابق".
فكونوا ـ عبادَ الله ـ مع الموفَّقين، فمن سلك سبيلَهم حشِر معهم، ولا تسلكوا سبُلَ الهالكين المخذولِين الذين خُتِم لهم بخاتمةِ سوءٍ والعياذ بالله، قال عبد العزيز بن أبي روّادٍ: "حضرتُ رجلاً عند الموت يلقَّن: لا إلهَ إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافِرٌ بها، ومات على ذلك، قال: فسألتُ عنه فإذا هو مُدمِن خمرٍ، وقيل لآخر عند الموت: قل: لا إلهَ إلا الله، فقال: عشَرة بأحدَ عشر، وكان يتعامل بالربا، وقيل لآخر: اذكر الله، فقال: رِضا الغلام فلان أحبُّ إليَّ مِن رِضا الله، وكان يميل إلى الفاحِشة، وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال:
يا رُبَّ قائِلةٍ يومًا وقد تَعِبت:    أين الطريقُ إلى حمّام منجاب؟
وكان قد خدَع جاريةً تريد حمّام منجاب فأدخَلَها داره؛ لأنها كانت تشبِه ذلك الحمّامَ يريد بها الفاحشةَ، فهام بها. وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال: سيجارة سيجارَة؛ لأنّه كان يشرَب الدّخان.
وأسباب سوء الخاتمة ـ والعياذ بالله ـ كثيرةٌ:
منها ترك الفرائض من الصلوات وغيرها وارتكاب المحرَّمات وتركُ الجُمَع والجماعات، فإنَّ الذنوبَ ربما غلَبت على الإنسانِ واستَولَت على قلبه بحبِّها، فيأتي الموتُ وهو مصِرّ على المعصية، فيستولي عليه الشيطانُ عند الموت وهو في حالةِ ضَعفٍ ودَهشة وحيرة، فينطِق بما ألِفَه وغلب على حالِه، فيُختَم له بسوء، نعوذ بالله من ذلك.
ومن أسبابِ سوء الخاتمة البِدَع التي لم يشرَعها الرّسول الله  ، فالبِدعة شُؤمٌ وشرّ على صاحبها وعلى الدين، وهي أعظم من الكبائرِ، وفي الحديث عن النبيّ  : ((يرِد عليَّ أناسٌ من أمّتي الحوضَ أعرِفهم، فتطردُهم الملائكة وتقول: إنّك لا تدرِي ماذا أحدَثوا بعدك، فأقول: سُحقًا سحقًا لمن غيّر بعدي)).
ومِن أسباب سوءِ الخاتمة ظُلم الناس والعدوان عليهم في الدّمِ أو المال والعرض، وظلمُ النفسِ بنوعٍ من أنواع الشرك بالله تعالى، قال عزّ وجلّ:  إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:21].
ومِن أسباب سوء الخاتمة الزهدُ في بذلِ المعروف، وعدَمُ نفع المسلمين، والزهد في الدعاءِ فلم يطلُبِ الخير، كما قال تبارك وتعالى:  الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم [التوبة:67]، وقال تعالى:  أَشـِحَّةً عَلَى الخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ [الأحزاب:19].
ومن أسباب سوء الخاتمة الركونُ إلى الدنيا وشهواتها وزخرفِها، وعدمُ المبالاة بالآخرة، وتقديم محبّةِ الدنيا على محبة الآخرةِ، قال الله تعالى:  إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ   أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس:7، 8].
ومن أسباب سوء الخاتمة أمراضُ القلوب من الكبر والحسَد والحِقد والغلِّ والعُجب واحتقار المسلمين والغدر والخيانة والمكر والخداع والغشّ وبُغض ما يحبّ الله وحبِّ ما يبغض الله تعالى، قال تعالى:  وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ   يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ   إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:87-89].
ومن أسباب سوء الخاتمة عقوقُ الوالدين وقطيعة الأرحام.
ومِن أسباب سوء الخاتمة الوصِيّة الظالمةُ المخالِفة للشرع الحنيفِ.
قال الله تعالى:  وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهديِ سيِّد المرسلين وقولِه القويم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمدُ لله معزِّ من أطاعه واتقاه، ومذِلِّ من خالف أمره وعصاه، أحمده ربّي وأشكره على ما أسبغ من نعَمِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، لا إلهَ ولا ربَّ سواه، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله اصطفاه مولاه، اللّهمّ صلّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى بلزوم طاعاته ومجانبة محرَّماته؛ تنجوا من عذابه، وتفوزوا بجنَّاته، قال تعالى:  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33]، وعَن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : ((والذي نفسي بيده، إنَّ أَحدَكم ليعمل بعملِ أهل الجنّة حتى ما يكون بينَه وبينها إلا ذراع، فيسبِق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخُلها، وإنَّ أحدَكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذِراع، فيسبِق عليه الكِتاب، فيعمَل بعمل أهل الجنة فيدخلها)) رواه البخاري ومسلم.
عبادَ الله، اعملوا الصالحات، وجانبوا المحرّمات، واجتهدوا في تحصيل أسباب حُسن الخاتمة، واحذَروا أسباب سوء الخاتمة، واجتهدوا فيما يرضي ربَّكم، فكلٌّ ميسَّر لما خُلِق له، وأحسنوا العمل، وأحسنوا الظنَّ بربِّكم، ولا يسِئِ المرء العملَ ويتمنَّى على الله الأماني، وفي الحديث: ((من أكثر من قول: اللّهمّ أحسن عاقبتنا في الأمور كلِّها وأجرنا من خزي الدنيا وعذابِ الآخرة مات قبل أن يصيبَه البلاء)).
عبادَ الله، إنّ الله أمرَكم بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه فقال تبارك وتعالى:  إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد قَال  : ((مَن صلّى عليّ صلاة واحدةً صلّى الله عليه بها عشرًا)).
فصلّوا وسلّوا على سيّد الأولين وإمامِ المرسَلين.
اللهم صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد...


Tidak ada komentar: